إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
محاضرات عن طلب العلم وفضل العلماء
18245 مشاهدة print word pdf
line-top
ذكر نماذج لهمة السلف في طلب العلم

فنقول: إن الإنسان مهما ذاق حلاوة العلم فإنه يزداد نهمه ويزداد طلبه ولا يشبع أبدا، سواء كان يقرأ القرآن، أو يقرأ كتب السنة، أو يقرأ كتب أهل الفقه وأهل العلم النافع، أو يقرأ أيضا في كتب أهل الآداب والأخلاق التي فيها محاسن الأعمال ومساوئها، أو ما أشبه ذلك.
ولن يجد لذلك نهاية، لذلك روي في بعض الآثار: منهومان لا يشبعان: طالب دنيا، وطالب علم، والمنهوم هو: الذي له نهمة وهمة تدفعه، فطالب الدنيا مهما حصل منها لا يشبع ولا تنتهي رغبته، كذلك طالب العلم مهما حصل لا يزال يواصل الطلب، ولا يزال يتعلم حتى يصل إلى آخر حياته.
كما روي عن الإمام أحمد أنه قال: من المحبرة إلى المقبرة، يعني: أنه يشتغل بطلب العلم وبكتابته من المهد إلى اللحد.
هذه حالة أهل العلم الذين أفنوا حياتهم في ذلك، وقد أخبروا بالصعوبات التي لاقوها، وما صبروا عليه من المشقات، وأنهم ما حصلوا هذا العلم إلا بعدما وصلوا إلى ما وصلوا إليه واجتهدوا، فقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان إذا بلغه الحديث عن أحد الصحابة ذهب إليه حتى في القيلولة في شدة الحر في وسط النهار، فإذا طرق بابه، وقيل: إنه نائم، وقف أو جلس عند الباب في حر الشمس حتى يستيقظ للصلاة، فإذا استيقظ ورآه عند الباب استنكر ذلك، وقال: كيف وأنت ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- تجلس في الشمس؟! فيقول: إني كرهت أن أوقظك، فيقول: هلا أخبرتني فآتيك، فيقول: لا العلم يؤتى ولا يأتي؛ العلم يستحق أن يؤتى إليه، حامل العلم يستحق أن يُعْنَى له، هكذا كان -رضي الله عنه-.
كذلك روي عن الإمام الشافعي أنه تكلم بكلام يدل على فضل العلم، وعلى فضل الحرص، وعلى فضل مواصلة العلم، يقول فيما روي عنه: العلم بطي اللزام، بعيد المرام، لا يدرك بالسهام، ولا يورث عن الآباء والأعمام، إنما هو شجرة لا تصلح إلا بالغرس، ولا تغرس إلا في النفس، ولا تسقى إلا بالدرس، ولا يحصل إلا لمن أنفق العينين، وجثا على الركبتين.
وانظر إلى من شغل نهاره بالجمع وليله بالجماع، أيخرج من ذلك فقيها؟! كلا والله، حتى يحتفظ الدفاتر، ويستحصل المحابر، ويقطع القفار، ولا يفصل في طلبه بين الليل والنهار.
ولا شك أن هذا منه -رحمه الله- حث على الصبر والمصابرة في طلب العلم، وبيان أن أهله يلاقون منه المشقات والصعوبات، ويصبرون على قطع القفار التي هي الفيافي والمفازات والأسفار، حتى كان بعضهم يسافر مسيرة شهر لأجل أن يحصل على حديث واحد، وحتى كان البعض مشايخنا أو مشايخ مشايخنا يبيت الليل كله ينسخ ويكتب، ولا يتفرغ لأكل عشائه إلا بعد أذان الصبح أو قرب أذانه، وكل ذلك من نهمته وحرصه على طلب العلم وتعلمه.
وكذلك أيضا حرص كثير منهم في كتابة العلم على أن ينفعوا الأمة بما يكتبونه؛ فقد روي أن بعض العلماء كابن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم أربعين ورقة؛ أي ثمانين صفحة من التأليف، وذلك لا شك أنه يأتي إلى مؤلفات كثيرة.
وآخر من العلماء ذكروا أنه بعد كل صلاة العشاء يكتب عشرين ورقة في كل ليلة قبل أن ينام، يعني من التأليف، ويصبر على البحث، وطول التنقيب، وذلك كله حرص منهم على المعرفة، ونفع الأمة بما يصلون إليه أو بما ينتفع به بعدهم.

line-bottom